السبت، 30 يناير 2021






🛰🛰دراسة بحثية في الحرب السبيرانية كإستراتيجية متطورة و إحدى منظومات المستقبل خصائصها و أبعادها بعنوان:

🛰🛰الصراع السيبيراني الحديث و حيثياته من موقف دول القوى العظمى بين التقييد و الحظر و موقف المنظور الدولي الانساني من شرعيته كحرب فرضت نفسها بقوة بجانب الحرب العسكرية..🛰🛰

بقلم يوسف القيصر_بتاريخ 16-02-2021


إن اتساع شعور الدول بخطر الحرب السيبيرانية أدى الى الخروج بعدة قوانين تنظمها شأنها شأن الحروب العسكرية قبلها وقبل التطرق الى حيثيات الموضوع سأعطيكم تعريفا مبسطا عن مصلح السيبيرانية فهو ترجمة لكلمة kybernetes، و هي كلمة لاتينية ومعناها القيادة أو التحكم عن بُعد و يرجع فضل تسميتها منذ وقت بعيد في سنة 1948 إلى عالم الرياضيات نـوربرت وينرNorbert  Weiner الذي ابتكرالاسم أثناء دراسته للقيادة والسيطرة و الاتصال في عالم الحيوان، أما تعريف الحرب السبيرانية بمفهومها الحديث فهو كل نشاط الكتروني سواء على مستوى فرد تابع لدولة او دولة بجهازها الاستخبارتي يهدف الى اختراق انظمة حواسيب العدو بغية أخذ و سرقة معلومات أو احداث أضرار،كما عرّفها مايكل شميت وهو من خبراء القانون الدولي الإنساني على أنها مجموعة من الإجراءات تقوم بها دولة ما  للهجوم على النُظم المعلوماتية المعادية بهدف التأثير والإضرار بها،وايضا في الوقت نفسه للدفاع عن نُظم المعلومات الخاصة بالدولة المهاجمة..فهي حرب ظهرت نتيجة للتطور المعلوماتي الهائل و أصبح لها دور فاعل جدا في الاحداث الدولية وهي تستعمل الانترنت بفضائه الالكتروني كمجال للمعركة و تكون غير معلنة و غامضة تكتسح العدو في صمت و هدوء و بسرعة البرق دون أن تترك أثرا كبيرا بخلاف معارك الجيوش النظامية التي تكون بعد إعلان و معرفة مسبقان .. 


فالحرب السيببرانية هي الجيل الخامس من الحروب الجديدة ظهرت لأول مرة علنيا على سطح الاحداث في النزاع المسلح بين جورجيا وروسيا سنة 2008 و أيضا بين روسيا و جارتها أكرانيا و في دول اخرى مثل العراق و ليبيا و سوريا و أفغانستان لا الحصر.. وأصبحت ركنا هاما في الصراعات الدولية و فاعلا قويا داخل النطاق الاستخباراتي و التجسسي لديها..فهي لا تحط أوزارها أبدا و تزداد شراسة مع التطور الرقمي الرهيب ، فهي تقتحم الانظمة الحاسوبية بكفاءة عالية و تكون إما قبل الهجوم العسكري أو بموازاة معه ،و قد جاءت نتيجة سباق التسلح بين الدول كحرب استراتيجية حديثة تعتمد على الهجوم الالكتروني و ترسانة رقمية وقد دخلت حيز التنفيذ منذ بعض الوقت و تتم باستخدام أجهزة كمبيوتر متطورة يشرف على تشغيلها خبراء برمجة محترفين بتوجيه عدد من الفيروسات هدفها تدمير أنظمة الخصم الالكترونية و أحيانا لجلب معلومات من نظامه فهي أداة حرب الكترونية و وسيلة قتال فعالة بجوار الحرب العسكرية فقد تكون هذه الاخيرة ضخمة و هائلة بترسانتها الكبيرة لكن الاولى لا تتعدى ترسانتها الفيروسية الكيلو بايتس الواحد لكن بأضرار فادحة و قد أصبحت تُستخدم في النزاعات المسلحة و كان لها دور فعال بالموازاة معها أحيانا للهجوم و أحيانا للدفاع أيضا وهي تتفرع الى قسمين حيث تستعمل كوسيلة قتال أو كأسلوب قتال و أصبحت منذ فترة سلاحا مهما لدى دول كثيرة و البعض منها يستخدمها سرا و أخرى تستخدمها علنا و اعترفت باستخدامها، و بالتالي فقد أصبحت جزءا مهما من المنظومة العسكرية لأي دولة و من الصعب الاستغناء عنها..


فهذه الحرب أصبحت تقلق الكل بلا استثناء كون المهاجم السيبيراني يستطيع بسرعة و كفاءة اختراق سيادة دولة معادية ولا تعوقه في سبيل ذلك حيطان و لا أسوار أو أبواب مصفحة و يستطيع بكل بساطة سرقة معلومات في غاية الخطورة والتواصل عن طريق الاختراق مع عملاء و جواسيس بكل سرية و أمان، أو الدخول الى أنظمة دولة ما و تعطيل حاسوباتها و أيضا بنيتها التحتية وأشياء أخرى سآتي على ذكرها في مقالتي هذه ،و قد تطورت هذه الحرب بشكل رهيب من وسيلة قرصنة و تجسس وتخريب الى هجمات استراتيجية مدمرة للمكون المادي مثل فيروس ستاكس نت كما يلوح على السطح تحدي من نوع جديد وعلى اعلى مستوى حيث تطور السلاح السييبيراني وأصبح ممكنا جدا أن يتحدى السلاح النووي فهي بذلك قريبا ستصبح سلاحا كونيا بامتياز..


لقد تغير المشهد العالمي فيما يخص الحروب أيضا وعندما أصبحت تكنولوجيا المعلومات جزءا لا يتجزأ من منظومة التواصل اعتُمِدت كوسيلة فعالة في الحروب المخابراتية مما تمخض عنه هذه الحرب الحديثة،فالصراعات السيبيرانية بين الدول كحرب مستحدثة و جديدة أحيانا كحرب في حذ ذاتها و أحيانا كمساعدة للحرب العسكرية قد أصبحت تحدث لكل الاطراف المتنازعة خسائر فادحة من تخريب البنية التحتية و إحداث خسائر كبرى بكل مرافقها و أيضا تعطيل الشبكة الالكترونية ككل حيث ينعدم الاتصال بصفة نهائية الشيء الذي ينعكس سلبا و بقوة على كل القطاعات الأساسية و من جهة أخرى فهي باتت تشكل تهديدا آخر إذ أحدثت ثغرة في بنود الاتفاقيات والمعاهدات الحربية فعندما يصبح النزاع العسكري مقيدا فإن الحرب السيبيرانية تستطيع ضرب العدو بسرية كونها خفية و لا تستعمل قواعد عسكرية خلاف الحرب الترسانية و هذا شيء بدأ يقلق بشدة كل الاطراف ..

فهي تحقق نتائجا سريعة و قوية بحيث لا ننسى ما حصل في انتخابات رئاسية أمريكية مضت إذ تمكن الرئيس الامريكي ترامب من الفوز بالسلطة بمساعدة تدخل سيبيراني حيث استطاع القراصنة الروس من نشر رسائل إلكترونية خاصة بهيلاري كلينتون إبان حملتها الرئاسية ضده الشيء الذي أثر سلبا على سير الانتخابات مما أدى إلى فشلها في كسب الكرسي الرئاسي،و كلها أشياء تبين ما لهذه الاستراتيجية المتطورة من أبعاد و تأثيرات عالمية ..


و بالمرور الى الشطر الثاني من عنوان الدراسة بشأن القوى العظمى و أبعاد وحيثيات الصراع السيبيراني بينهم فسأسلط الضوء على الصراع بين روسيا وأمريكا كونهما الخصوم الاقوى ضمن هذا الصراع في المشهد العالمي فقد بدأت بينهم الحرب السيبرانية المعلنة منذ 2012 و ازدادت شراسة طيلة هذه السنوات و الكفة غالبا كانت ترجح للروس لتفوقهم على نظرائهم الامريكين في هذا المجال،سنوات و الحرب لا تهدأ بينهما سواء جهرا أو علنا و لطالما وجه الهاكر الروس للأمريكيين ضربات موجعة مثل هجمات (لعبة الأهداف الحرجة) و الذي كان اختراقا كبيرا الذي ضربوا به جهازي المخابرات الأمريكي و البريطاني بضربة واحدة استهدفوا فيها الملايين من الحواسيب بما فيها من بيانات حساسة جدا و أيضا ضربة أولمبياد فبراير 2018 الشهيرة..كما لا ننسى منظمة كايبركاليفاتس و هو تنظيم هاكر سري تابع لروسيا الذي قام بمهاجمة وسائل الإعلام الأمريكية مهددين أزواج العسكريين الأمريكيين..


ونعود مرة للمعسكر السبيراني الأمريكي لتسليط الضوء على ما لهذه الإستراتيجية الجديدة من قوة و تأثير ففي سنة 2020و تحديدا في شهر سبتمبر أعلنت مصادر ناطقة عن جهة رسمية أمريكية أن الولايات المتحدة اجتاحتها أكبر عملية تجسس عرفها تاريخها حيث اخترق القراصنة الروس حواسيب بيانات البيت الأبيض و وزارة الأمن الداخلي وأيضا وزارة الخزانة الأمريكية حيث استُهدفت أيضا ملفات  تطوير السلاح النووي الأمريكي و ذلك في أكبر عملية تجسس عرفها التاريخ عملية كانت استمرت ل6شهور، و إذا تمعنا في أسباب التفوق السيبيراني للروس على الامريكين فهو يعود إلى شيئين أولهما تفوق المبرمجين المنظمين تحت اللواء الروسي على نظرائهم الأمريكيين و لا ننسى أن منظمات المخترقين الروس كان اسمهم دائما يرتبط بأضخم عمليات الاختراق العالمية حيث تبوأوا مركز الصدارة على المستوى القاري و سبب آخر لتفوقهم في هذه الحرب أن المخترقين الروس غير مقيدين نسبيا بالقوانين الدولية،..


فالصراع السيبيراني بين القوتين العظميين كان يزداد عنفا و تصاعدا و يكلف الطرفين خسائرا مهمة الشيء الذي أدى بكل من سياسة الطرفين الى التفكير في حلول للوضع حتى يخفف من حدة تصاعده،فعقدوا مرات عدة طاولات مستديرة للوصول لحل نسبي حيث نادت روسيا بضرورة حظره نهائيا في حين أن الأمركيين دعوا الى تقييده بقوانين فقط وانتهى بهم الامر الى طريق مسدود..


و مرورا الى الشطر الاخير من عنوان المقالة فيما يخص المنظور الدولي الانساني من شرعيتها فبعد تزايدا استعمال الدول للتكنلوجيا في الحروب و تزايد حدة الهجمات السيبرانية تدخلت اللجنة الدولية للتطورات التكنولوجية وخرجت بقرار مفاده أن الحرب السيبيرانية شأنها شأن أي حرب اخرى لذا وجب وضعها تحت بنود القانون الدولي الإنساني و تظل خاضعة لميثاق الأمم المتحدة فخَلقت تحديا جديدا للقانون الدولي الانساني و كان لزاما على خبرائه الاجتهاد حتى يحدثوا مساطرا جديدة في القانون و تطوير بروتوكولات الاتفاقيات لكي تلائم تطورات الحرب الجديدة و كذلك من أجل تقييم المخاطر الناتجة ومواجهة التحديات والاكراهات كون دول كثيرة لا تريد الاستغناء عنها و أخرى عظمى تفرض رأيها بقوة في هذا الشأن فقد عقدت اللجنة نفسها منذ فترة اجتماعا حضره خبراء من جميع بقاع الكرة الأرضية لوضع تقيم نظري للخسائر و التكلفة التي ستنتج عن هذه الحرب الحديثة،و أيضا فالقانون الدولي وضع لها عدة شروط لعل أهمها ما قرره بخصوص النزاعات المسلحة حيث تم منع المتحاربين من الهجوم السيبيراني على قطاعات الصحة و البنية التحتية للاوطان و الا اعتُبرت الدولة المخالفة منتهكة للقانون الدولي الإنساني و تصبح معرضة للعقوبة..


و قريبا ستدخل كل القوى الى هذه المعادلة الصعبة و الحرب ستكون أشد ضراوة كما يتوقع كثير من الخبراء أنها ستكون هي بديلة الحروب كمنظومة تفرض كيانها الكامل في المستقبل القريب فهي رغم فضائها الكتروني وليس ميداني قد أثَّرت بقوة على النظام الدولي بكل تياراته الحربية و السياسية و الاقتصادية والأمنية.. 

.. 

و ختاما فالعمليات السيبرانية تحمل في في طياتها الكثير من المخاطر و تزداد شراسة و تطورا يوما بعد يوم فهي بلا شك حرب المستقبل و الأحداث المقبلة ستحمل لنا في طياتها الكثير من المفاجآت الكبرى كما أن القانون الدولي الإنساني لم يوافق على الحرب السيبيرانية إلا تحت إكراهات عظمى لأنه في حالة الرفض فإن دول كثيرة ستستعملها سرا على خفية منه..

محررة بتاريخ16-01-2021و موثقة برابطة القيصر للمبدعين العرب في 24-01-2021

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  فلسفة الحياة.. بقلم _القيصر_21-04-2021 إن للحياة فلسفة خاصة بها و معاييرها تخالف غالبا معاييرنا،كما أن قوانين الزمان و الأيام تخضع لقوانين...