دراسة بحثية أكاديمية معمقة في العلاقة الأزلية بين اللغة و الفكر بعنوان:بنية النص اللغوي من نتاج سلطة فكر وسلطة لغة وعامل أساسي في المنظومة الحوارية التي هي من أهم أساسيات اندماج الذات الانسانية داخل النطاق المجتمعي الحضاري،فهل اللغة ترجمة للفكر الانساني فقط أم أن سلطةٌ تُخضع سلطةً لإشتراطاتها و قوانينها؟..
بقلم يوسف القيصر_بتاريخ؛05-11-2020
أقسام الدراسة:
القسم الأول:تعريف اللغة و الفكر من عدة جوانب علمية و معرفية و العلاقة بينهما
القسم الثاني:التعريف بأسس اللغة
القسم الثالث:إشكالية هل الفكر مستقل عن اللغة أو كونهما وجهان لعملة واحدة
القسم الرابع:اللغة بصمة الشعوب التي تحافظ على هويتها من الاندثار
القسم الخامس:رؤية فلسفية لعلاقة اللغة و الفكر
القسم السادس:أشكال اللغة و وظائفها
القسم السابع:قراءة في اللغة كجوهر نص حوار اجتماعي واقتصادي وسياسي في التواصل بين الحضارات
القسم الثامن:هل اللغة تسبق الفكر أم الفكر يسبق اللغة؟
القسم التاسع:توضيح للإشكالية: هل اللغة ترجمة للفكر الانساني فقط أم أن سلطةٌ تُخضع سلطةً لإشتراطاتها و قوانينها؟..
مراجع الدراسة:
× × × × × × ×× × × × × × ×× × × × × × ×
× × × × × × ×× × × × × × ×× × × × × × ×
القسم الأول_تعريف اللغة و الفكر من عدة جوانب علمية و معرفية و العلاقة بينهما:
إن هذه الاشكالية العميقة في أبعادها المتنوعة في حيثياتها قد جذبت انتباه الكثير من العلماء و الباحثين منذ فجر التاريخ حيث تنوعت مدارسها و تعددت نظرياتها و في هذه الدراسة بخلاف النقط الاساسية موضوع البحث سأتناول أيضا حيثياث أخرى أساسية حتى نستفيض في بحثنا استفاضة تضيء لنا الكثير من الجوانب و تغطي لنا معظم الزوايا،و سأبدأ بتوضيحٍ للعلاقة بين اللغة و الفكر و هي بلا شك علاقة أزلية قديمة قِدم التاريخ وأيضا هي توأمة نشأت قبل وجود الحضارات منذ تعلم الانسان النطق و الكلام،فالوحدتان معا الاولى كسلطة فكر و الأخرى كسلطة لغة يمثلان وحدة عضوية كاملة لا تكتمل إلا بهما معا،فالفكر يعتبر جوهر الوجود الانساني وقد عُرِّف بأنه عملية عقلية معقدة ونشاط ذهني يقوم على التحليل و التفسير ويستعمل لذلك أدوات مثل المعاني والرؤى والرموز الصورية وقد وصفه محمود اليعقوبي في معجم الفلسفة (بأنه جملة التصورات و المُدركات العقلية)،في حين أن اللغة تبقى أولا خاصية منفردة و سامية اختُص بها البشر دون الحيوان حيث قال _غسدروف_ بهذا الشأن(أن اللغة هي الرمز و المعبر الذي يدخل الطفل إلى العالم الإنساني)..
فهي نظام من الرموز الوضعية الاصطلاحية التي أبدعها البشر للتحاور و التواصل ينقلها الصوت عبر الأثير من فم المتكلم الى أذن المتلقي حاملة أفكار و رسائل إلى فكر هذا الأخير بما في ذلك من رؤى مختلفة متشعبة الصور و الدلالات، فهي مثل الوعاء الذي يصب فيه الفكر وترجمان له و نسوق هنا قول الفيلسوف هاملتون صاحب العبارة الشهيرة(الألفاظ حصون المعاني)و يقصد هنا باللفظ اللغة و بالمعنى الفكر كما قال نظيره _سيروس_(بأن الفكر لا ينفصل عن اللغة) ونفس الشيء أخبرنا به نظيرهم الفيلسوف الفرنسي _لافال_ لكن بصيغة لفظية مختلفة حيث قال( ليست اللغة كما يعتقد البعض ثوب الفكرة فحسب ولكن هي جسمها الحقيقي) ،-----------فهي أيضا السبيل الأوحد للحوار بين الأفراد والشعوب و بدونها كان الفكر الانساني لا زال حبيسا داخل العقول أو بالأحرى تلاشى و اندثر..
إذن فمما لا شك فيه أن عاملا الفكر و اللغة جوهريان في هذه المعادلة تربطهما أولا علاقة تأثير حيث قال دولاكروا(إن الفكر يصنع اللغة وهي تصنعه) و تربطهما ثانيا علاقة توأمة و لا سبيل لفصلهما و نسوق قول _دوسوسير_ بهذا الشأن حيث أخبرنا بأنه (يمكن تشبيه العلاقة بين اللغة والفكر كورقة يكون الفكر وجهها واللفظ ظهرها بحيث لايمكن فصل أحدهما عن الآخر)،
× × × × × × ×× × × × × × ×× × × × × × ×
القسم الثاني:التعريف بأسس اللغة
لقد صنف الباحثون اللغة على أنها كيان كامل و نشاط لغوي لدى الانسان بخلاف الحيوان يحتوي على كل وسائل التواصل من لغة أو إشارة أو انفعال سواء كان بالكلام أو الكتابة
× × × × × × ×× × × × × × ×× × × × × × ×
القسم الثالث_إشكالية الفكر مستقل عن اللغة أو كونهما وجهان لعملة واحدة:
لقد حدث جدل بين كثير من الفلاسفة و علماء اللسانيات بخصوص هاتين السلطتين فهناك من تبنى نظرية(الاتجاه الثنائي) و الذي يقول ان الفكر مستقل عن اللغة و استدلوا بذلك على أن أن الانسان يستطيع التفكير دون أن يتكلم كما أن فكره يكون سابق لكلامه و غني بالمعاني و الصور إلا أن هذه النظرية ضعيفة و فيها الكثير من الخلل لأنه من كما سبق القول بأن الفكر من غير لغة سيبقى حبيس الدماغ و كل منهما يكمل الاخر أو كما قيل كل منها يصنع الآخر..
و هناك من تبنى نظرية أخرى تسمى ب(الاتجاه الواحدي) و هي نظرية مخالفة تماما لنظرية(الاتجاه الثنائي)و هي تتأسس على أنه يستحيل الفصل بينهما و متصلان بحيث لا وجود لفكر دون لغة و لا للغة دون فكر و نسوق قول الفيلسوف الفرنسي ميرلوبونتي الذي قال بهذا الصدد ما معناه: (الفكرة تؤخذ من العبارة و العبارة ما هي إلا الوجود الخارجي للفكرة)
× × × × × × ×× × × × × × ×× × × × × × ×
القسم الرابع_اللغة بصمة الشعوب التي تحافظ على هويتها من الاندثار:
و مما لا شك فيك فاللغة إرث الشعوب بها أسست هويتها و نشرت ثقافتها و زادت معارفها ،ومنذ القديم تنبه أولي الألباب لما للغة من قيمة جوهرية في الكيان المجتمي للأمة فسعوا إلى الحفاظ عليها،فمنذ بداية العصر الاسلامي تنبه السلف لأهمية التمسك باللغة الأم لأنهم عرفوا أنها ليست سلطة للكلام فقط بل لها دور في التأثير على الفكر وبالتالي على الأخلاق شيء يؤدي غالبا إلى الميوعة و نقصان في المروءة حيث قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بهذا الصدد:(ما تكلم الرجل الفارسية إلا خَبَّ، ولا خَبَّ إلا نقصت مروءته) كما أن الانسلاخ عنها و التشدق بلغة أخرى من غير لزوم شيء يعد من النفاق الاجتماعي ونسوق هناما حصل في عهد الصحابة الكرام حين سمع سعد بن أبي وقاص قوما من العرب يتكلمون بالفارسية فخاطبهم بقوله : (ما بال المجوسية بعد الحنيفية؟) ، و قال الفاروق أيضا في حديث يُـرَجح أنه قائله: (من كان يحسن أن يتكلم العربية فلا يتكلم بالفارسية فإنه يورث النفاق)..
و في العصر الحديث تنبه الغرب أيضا لأهمية اللغة في الحفاظ على بصمة الأمة فقام الفرنسيون
و أكتفي بهذه الشواهد و التي
× × × × × × ×× × × × × × ×× × × × × × ×
القسم الخامس_رؤية فلسفية لعلاقة اللغة و الفكر:
× × × × × × ×× × × × × × ×× × × × × × ×
القسم السادس_أشكال اللغة و وظائفها:
فبنية النص الحواري الذي يعتمد أساسا على اللغة وهي تعتمد بدورها على أسس هامة حتى تكون ترجمة الفكر ترجمة صحيحة ولها دلالات مفهومة ولعل أهمها في كل لغات العالم النحو والاعراب شيئان يعطيان للنص اللغوي معنى صحيحا و منطقيا يسهل على المتلقي فهمه و الاستجابة لحوار الاخر..فالنص المكون منها يتخذ رموزا مختلفة من أنماط أسلوبية وبلاغية وأيضا استدلالية حتى يكون لنا بنية النص الحواري في التواصل الاجتماعي ،و هنا تتخذ اللغة وظائفا عدة أولها:
الوظيفة النفعية:سميت بالنفعية لأنها تنفع الانسان في التعبير عن احتياجاته و التعبير عن مشاعره و أحاسيسه و غيرها ..
و الوظيفة الشخصية:كوسيلة يعبر بها الشخص عن ذاته و يعرف الاخر بشخصيته..
الوظيفة التفاعلية:اكتسبت اسمها من التفاعل الذي تتيحه اللغة للشخص في التفاعل مه محيطه الاجتماعي..
و الوظيفة الإخبارية:وهي أي اللغة كوسيلة لنقل الاخبار بين الناس كشي أساسي في كل بنية مجتمعية
و تبقى الوظائف كلها رغم اختلاف مسمياتها لها نفس الوظيفة ألا وهىالتواصل المجتمعي
× × × × × × ×× × × × × × ×× × × × × × ×
القسم السابع_اللغة هي جوهر نص حوار اجتماعي واقتصادي وسياسي في التواصل بين الحضارات:
فاللغة هي الوسيلة للتواصل بين الذات الانسانية و العالم الخارجي بدونها يبقى الانسان في شبه عزلة عاجز عن التعبير عن حاجياته الاجتماعية و نقتبس هنا قول الجرجاني بهذا الصدد حيث قال(إن اللغة هي مايعبر به كل قوم عن أغراضهم) وكما قال أحد المفكرين أيضا(هي الطريق لإحياء الشعوب وبوابة الأمم للحياة والتغيير والتطور) ولأن الحوار والتخاطب بين شخصين يتعذر بشكل قطعي عندما تختلف لغتهم و على النقيض يسهل بشكل كبير عندما يجدون لغة واحدة مشتركة فقد حازت سلطة كبرى وأصبح لها وجود اجتماعي وهي التي تحقق وجودية الذات الانسانية والعامل الأول للتواصل داخل المجتمعات وبغيرها يتعذر التواصل إطلاقا.. فهي جسر يربط بين الاجيال وماضي الشعوب بحاضرها وتحفظ تراثها حيث يقول _لافيل_ بهذا الصدد(اللغة هي ذاكرة إنسانية تحفظ للانسانية سائر مكتسباتها) و هي كذلك عامل مهم لتأسيس وحدة الهوية بما في ذلك الشعور بالانتماء..
فالعبارات اللغوية التي تكوِّن مختلف اللغات و تقوم بترجمة خواطر العقل هي بلا شك كانت أول سبل الحوار بين الاشخاص و بين المجتمعات باعتبارها أهم لبنة في كل حوار و عامل جوهري لتبادل الفكر الانساني حتى يطور من ذاته و يسهم في تأسيس ثقافة الحضارات..ففي المجتمعات جميعها و منذ نشوء أي حضارة تبقى اللغة من أهم سبل التواصل للتخاطب الاجتماعي وأيضا لتبادل الأفكار والثقافات و بدونها يتعذر كل شيء،وأنقل لكم هنا رؤى بعض المفكرين حيث يرى الألماني_فيخته_بأن اللغة هي الرابط الأساسي بين أفراد الأمة لأنها الرابط الوحيد بين عالم الافكار و عالم الأجسام حيث قال بهذا الصدد(إن اللغة تلازم الفرد في حياته و تمتزج إلى أعماقه و هي الرابطة الوحيدة الحقيقية بين عالم الاذهان وعالم الاجسام و تجعل الأمة كلا متراصا)،و يرى جورج غوسدروف بأنه بغيرها لا يدمج الشخص في المجتمع و قال بهذا الصدد(إن اللغة هي الشرط الضروري و الكافي للدخول في الحظيرة الانسانية)..
فهي في وظيفتها تتخذ شكل نص حواري الذي يتخذ أنساقا عدة منها الاجتماعي و السياسي و الديني..
× × × × × × ×× × × × × × ×× × × × × × ×
القسم الثامن_هل اللغة تسبق الفكر أم الفكر يسبق اللغة؟
إنه لمن البديهي عندما نفكر في الأمر سنجد أن الفكر يسبق اللغة بحيث أننا نفكر دائما قبل أن نتكلم كما أنه عدة من الفلاسفة قالوا نفس الشيء و بأن الفكر يسبق الكلمة لكن كثير من الدراسات العلمية أثبثت شيئا آخر و أن اللغة لا تسبق الفكر والفكر بدوره لا يسبق اللغة و تأثيرهما على بعض متساو و يتم في نفس الوقت في حين أن باحثين آخرين خرجوا بنظرية ثالثة و قالوا بأن الفكر مستقل عن اللغة واستدلوا بذلك بحالات الصم البكم أي أن الفكر لا يخضع لاشتراطات اللغة و قوانينها بل هو مستقل عنها بمعنى أن الفكر يستطيع العمل بلا لغة، نعم فهذا وارد في حالات و صعب في أخرى نجد العكس و أنه في حالة الاصابات الذماغية يحدث خلل وعجز في آلية النطق الشي الذي ينفي نظرية استقلال الفكر عن اللغة و كذلك عند التأمل و التدبر و التفكر يعمل الفكر لوحده بلا لغة لكن عند القيام بعمليات حسابية و هو عمل فكري يلزمنا حتما كتابة الأرقام التي هي رموز لغوية..
× × × × × × ×× × × × × × ×× × × × × × ×
القسم التاسع_توضيح للإشكالية: هل اللغة ترجمة للفكر الانساني فقط أم أن سلطةٌ تُخضع سلطةً لإشتراطاتها و قوانينها؟..
إن هذه الاشكالية طرحت جدلا طويلا وعميقا و من عدة زوايا فعندما نتمعن في الأمر سنجد أننا غالبا تراودنا أفكار شتى لكن نعجز عن التعبير بها لفظيا فنقول مثلا(خانني التعبير)أو(لا أجد وصفا لهذا الشيء)و كلها أشياء تبين لنا أن فكرنا غني بكم هائل من المعاني بحيث لا تستطيع اللغة أن تسايره فالفكر بنية خصبة عكس اللغة التي تبقى محدودة الألفاظ كما قال_ برغسون_( اللغة عاجزة عن مسايرة ديمومة الفكر) و قال أيضا الفرنسي فاليري(أجمل الأفكار تلك التي لا نستطيع التعبير عنها) و يرى براغسون أيضا وهو من أنصار النزعة الحدسية بأن اللغة لا تستوعب الفكر بقدر ما تشوهه و استدل بذلك على أن الفكر أكثر اتساعا من اللغة و سابق عنها في الوجود،بحيث تكون الافكار متواجدة باستمرار في حين يخوننا الكلام كما ان الفكر أقوى من اللغة لاتصال معانيه و ترابطها في حين تبقى اللغة منفصلة و في كثير من الأحيان تعجز عن استقبال المعاني التي يرسلها الفكر إليها و التوفيق في كتابتها،كما ان البحوث خرجت بأن اللغة تبقى جامدة و الفكر هو الذي يطورها أي أنها تخضع لاشتراطاته و لا تُخضعه لاشتراطاتها..
و إذا كان الفكر له السلطة الكبرى في التأثير على اللغة ،فهناك أيضا تأثير للغة على الفكر في بعض الحالات و هذا شيء رأيته شخصيا فعدد من الأشخاص حولي رأيتهم يفضلون اللغة الأجنبية على اللغة العربية في أغلب محادثاتهم و بلا داع أشياء رأيتها تؤثر على أخلاقهم أكثر و أصبحوا يميلون الى تصرفات شبه نسائية فيها تديث و قلة مروءة و صدق الفاروق حقا حينما قال قولته الشهيرة:("ما تكلم الرجل الفارسية إلا خَبَّ، ولا خَبَّ إلا نقصت مروءته)و نقيس على الفارسية هنا أي لغة أجنبية تحل محلها..
لها قواعدها الذاتية
× × × × × × ×× × × × × × ×× × × × × × ×
خاتمة:
و أخيرا فاللغة والفكر متلازمان بإجماع أهل اللغة و الفلسفة و أهل العلم ، فاللغة آلية تواصلية قيمة للتعبير و أيضا لتجسيد رؤى الفكر البشري بمختلف الدلائل و الصور والمفاهيم والتي تأسس لبنية الحوار داخل المجتمع،و لا غنى لسلطة عن أخرى فلا الفكر سيخرج للوجود بغير كلام و بغير لغة و سيضل حبيسا في الدماغ و لا اللغة ستتمكن من التطور بغير فكر، فعلاقتهما علاقة وطيدة وعميقة جدا ويقينا يبقى هذا الأخير أكثر مرونة و اتساعا من اللغة و له السلطة الكبرى..
مع تحيات المفكر و الباحث يوسف القيصر_بتاريخ